صنع في الصين





 العملاق الصيني يغزو العالم
''في الوقت الذي لاتزال فيه الصين تستمر في النمو بمعدل سريع للغاية ، يستمر الأوروبيون و اليابانيون والامريكيون
في حالة ركود وانخفاض  متزايد ومستمر لمعدلات نموهم ، تبقى مسألة التفوق الصيني على الجميع مسألة وقت لا أكثر ''
                                                                                                                                                                              فولفجانج هيرن ( من كتاب التحدي الصيني )         
      
        اقتصاد منهك ، بطالة ،و مستويات مرتفعة من الفقر و الامية  ، هكذا كانت الصين بالأمس القريب ، اما اليوم وبفضل خطط العمل المرنة والمدروسة والجهود المبذولة من طرف حكومة البلاد وشعبها ، بدأ هذا العملاق ينفض عن نفسه الغبار بعد  نوم طويل : واصبح بمثابة تهديد حقيقي لعمالقة اليوم .
      ركزت الصين في بناء اقتصادها على الصناعة بالدرجة الأولى ، حيث ان المنتجات الصينية مطلوبة في كل قطر من أقطار المعمورة ، والسؤال الذي قد يتبادر إلى اذهاننا اليوم هو : لماذا أصبح الطلب عليها متزايد ا في السنوات الأخيرة ؟ الإجابة ببساطة هي أن السلع الصينية رخيصة مقارنة بسلع الأوروبية والأمريكية وحتى السلع اليابانية والكورية . هنا قد يتبادر إلى أذهاننا سؤال أخر هو : لماذا تسوق الصين منتجاتها بأثمان منخفضة ؟
      الحقيقة هي انه في الوقت الذي تعمل فيه الدول الأوروبية وكوريا واليابان وامريكا على زيادة جودة منتوجاتها ، مما نتج عنه زيادة في سعر التكلفة وبالتالي ارتفاع في ثمن السلعة ، تعمل الصين على صناعة منتجات اقل تكلفة ، لتباع بأسعار رخيصة . وهذا ما جعلها تلقى رواجا كبيرا لدى المستهلكين في جميع اقطار العالم .   
       إنه لم يعد يخفى على أحد اليوم ما وصلت اليه الصين من تفوق تكنولوجي ونمو اقتصادي ، حيث أصبحت المنتجات الصينية تنافس الماركات الأمريكية والأوروبية في عقر دارها ، بل أصبحت تشكل تهديدا حقيقيا لاقتصاد ات الدول العظمى ، وليدها العاملة كذلك .
    إن الصين أصبحت اليوم أشبه ما يكون بمعجزة اثارة ذهول السياسيين والاقتصاديين على السواء ، حيث انها تمكنت من استغلال ثرواتها الداخلية وعدد سكانها الضخم – العمالة الرخيصة-  لبناء اقتصاد يحتل اليوم مراتب متقدمة عالميا  في معدل نموه .
      تصنع الصين اليوم تقريبا كل شيء، من الألبسة، إلى المأكولات، وتحتل كذلك مراتب متقدمة في صناعة الإلكترونيات، والأدوية ، وحتى السيارات ، كما ان لديها عدد هائل من الشركات التي تعمل في مجال البناء وتشييد الطرقات . ولدى الصين اليوم عدد من المدن الصناعية الضخمة ، والتي هي بمثابة محاكات لواد السيليكون في الولايات المتحدة الامريكية ، وتوجد في هذه المدن مصانع لمنتجات ذات ماركات عالمية شهيرة كشركة -أش بي – وشركات أحذية أديداس و بوما ، والمئات من الماركات العالمية الأخرى .
       إن اعتماد الصين في البداية تركز على الثروات الداخلية الموجودة لديها، واليد العاملة الرخيصة القادمة من الأرياف المجاورة للمدن الكبرى، قبل أن يتعداها إلى الاستيراد من الخارج لسد الاحتياجات الداخلية سواء للاستهلاك المحلي، أو لتزويد مختلف الصناعات بالمواد الأولية، لكن الفرق بين الصين و غيرها من الدول هو اعتمادها على خطة تنموية راحت تطورها باستمرار خلال العهود الأخيرة بما يتماشى مع التطورات الحاصلة في العالم من حولها، وكذلك تصحيحا لبعض الأخطاء والهفوات التي وقعت فيها الدولة خلال مسارها التنموي.
      كما ركزت الصين على عامل مهم وهو التعليم والتكوين وكذا سعيها الدائم للاستفادة من الخبرات الاجنبية. تمكنت الصين من خلال بعثاتها في اروبا وامريكا من تكوين عدد هائل من الخبرات العلمية في مجالات عدة، ولدى الصين اليوم عدد لا بأس به من  مراكز البحث العلمي و الاكاديميات التي تحتل مراتب متقدمة في الترتيب العالمي وأهمها الاكاديمية الصينية للعلوم والتي تضم ما يفوق سبع مائة عالم صيني معظمهم تكون في ارقى الجامعات العالمية . كما لم تتوان الصين في تقديم عروض جد مغرية للأدمغة الصينية الموجودة في الخارج، كتذاكر الطيران المجانية وإقامة بأسعار منخفضة وكذا رواتب مغرية وغيرها من الامتيازات: وكل هذا لقاء استثمار خبراتهم في وطنهم الأم -الصين.
   رغم أن المستوى المعيشي للمواطن الصيني لم يبلغ بعد مستويات المعيشة في دول العالم المتقدم، ورغم أن الصينين مازالوا يعانون من تضييق كبير على حرياتهم، وأن السياسة التي تنتهجها الدولة أقرب إلى الدكتاتورية منها إلى الديمقراطية ، ورغم ما ينقل عن وجود خروقات كبيرة في حقوق الانسان وهذا ما يعاب على دولة تتوق لتصبح في مصاف الدول العظمى . إلا أن الخبراء يتكهنون أنه في حال استمرار النمو الاقتصادي الصيني بهذه الوتيرة السريعة، سوف يعود ذلك بالإيجاب على مستويات الدخل والمعيشة في هذه الدولة، وسيتحقق للمواطن الصيني مستوى جيد من الرفاهية والحيات الكريمة مستقبلا.
اضافة تعليق

جميع الحقوق محفوظة © 2014 أفكاري