القوة الخارقة للعادة - الجزء الثاني -




مقال اليوم هو تكملة للمقال السابق، حيث تحدثت عن كتاب'' قوة العادة'' ، وكنت قد أشرت إلى أنه كتاب جد مهم وضروري لمن يرغب في إحداث تغييرات  إيجابية في حياته ، فينتقل من الفشل إلى النجاح ، أو من النجاح إلى التميز 

سوف أذكر في مقال اليوم مجموعة من النقاط المهمة عن العادة، سأتكلم أولا عن معنى العادة، ثم كيف تتشكل العادات، و سأقدم أمثلة من الواقع لدعم الأفكار التي سأطرحها في هذا المقال.
أما في المقالات اللاحقة فسوف أتكلم عن كيفية جعل العادة تعمل لصالحنا بدلا من أن تدمرنا، ثم سوف نتحدث عن بناء عادات جيدة، تساهم في نمو مهاراتنا وبالتالي نجاحنا.
كما أنني سأخصص مقالا لاحقا للحديث عن العادات المجتمعية والعادات المؤسسية وكيفية تشكلها وتشكيلها، وكيف يعمل كلا النوعين من العادات على الرفع من مردود المجتمع أو المؤسسة، وكذا كيف يمكن لهذه الأنواع من العادات أن تحطم شركاتنا أو مجتمعاتنا.
أولا : ما هي العادة ؟
العادة كما جاء تعريفها في موسوعة ويكيبيديا هي أنماط معتادة ومكتسبة ومتعلمة ومتكررة للفرد من السلوك، وتحدث ما قبل الشعور وليس بتفكير شعوري بشكل مباشر أو ملاحظ لأنها لا تلتقي مع تحليل الذات.
وبتفسير أبسط هي فعل أو سلوك يكرره الفرد بنفس الشكل و في نفس المواقف دون تدخل الشعور أي لا شعوريا.
مثال عادة تدخين سيجارة بعدة وجبة الغذاء أو العشاء ، حيث أن الفرد يلجأ لا شعوريا بعد الانتهاء من الوجبة إلى فتح علبة السجائر  وإشعال سيجارة وتدخينها ، وهنا دون أن يفكر في الأمر أو يقرر هو أن يفعل أو لا ، وفي حال نسي تدخين سيجارة أو لم يتمكن من ذلك لسبب من الأسباب ، سيشعر الفرد بحاجة إلى شيء ما أو بفراغ مجهول ، وفور تدخين السيجارة سوف يحس بامتلاء ذلك الفراغ .


ثانيا : كيف تتشكل العادة ؟
لنعرف كيف تتشكل العادة علينا أن نقوم بتحليلها، وحسب كتاب قوة العادة، فهي تتشكل من ثلاث مكونات أساسية ، أولا المنبه ، ثانيا الأمر الروتيني ، ثالثا المكافئة .
دعنا نأخذ المثال السابق ، المنبه في المثال السابق هو وجبة الغذاء أو قد يكون الانتهاء من وجبة الغذاء أو الإحساس بامتلاء المعدة وهذا هو الأقرب  ، وفور حدوث هذا المنبه يذهب الدماغ تلقائيا أو لا شعوريا بالمدخن إلى الإحساس بالحاجة إلى السيجارة ، وهو حينها سوف يقوم بالبحث في جيب معطفه عن علبة السجائر وهنا يبدأ الأمر الروتيني أو العادة ، ثم يشعل سيجارة ويقوم بتدخينها ، وهنا ندخل في المكون الثالث وهو المكافئة حيث سوف يحس بشيء من الراحة والهدوء هذا ليس بسبب تدخين السيجارة لأننا نعلم أن التدخين مضر  للصحة ، بل الارتياح يعود لأنه قام بإشباع رغبة معينة موجودة في دماغه .

        المنبه ( امتلاء المعدة، الغذاء ) ----- الأمر الروتيني ( التدخين ) ---------- المكافئة ( إشباع الرغبة )

و العادات أي كان نوعها تتشكل بسبب الرغبة في الحصول على المكافئة، وتكرار ذلك عدة مرات خلال فترة زمنية معينة، تؤدي إلى ترسخ نمط معين في الدماغ يطلق العنان بشكل ألي للقيام بالأمر الروتيني كلما تكرر نفس المنبه .
 تتشكل العادات السيئة بسبب البحث عن مكافئة معنوية أو مادية، و كذلك الأمر بالنسبة للعادات الجيدة، كالمطالعة أو قيادة السيارة.
وقد وجد العلماء أن تشكل العادة في الدماغ ، يسبب تشكل أنماط جديدة معقدة داخله ، تسمى بالعقد القاعدية ، وقد بلغ تعقيد هذه الأنماط لدرجة أنها أصبحت أقوى من الذاكرة ، وسوف تتعجب إذا سمعت أن شخص فاقدا للذاكرة لا يمكن أن ينسى عاداته أو بالأحرى لا يمكن أن يفقد عاداته .
وقد تضمن كتاب قوة العادة ، قصة رائعة لمريض يدعى أوجين وهو  رجل طاعن في السن فقد الذاكرة بسبب حادث معين أدى إلى إحداث عطب في الجزء المسؤول عن الذاكرة في الدماغ ، ورغم ذلك لوحظ أن أوجين مازال يعرف مكان المطبخ والحمام في بيته ، بل أكثر من ذلك أن اوجين كان يخرج للتجوال ثم يرجع إلى منزله بشكل عادي .
ولكن عندما طلب العلماء من أوجين رسم خارطة مبسطة لمنزله أو حيه لم يتمكن من ذلك لأن ذاكرته كانت ممسوحة .
وهذا ما لفت انتباه العلماء للقوة الخارقة جدا للعادة ، فرغم عدم وجود معلومات داخل الدماغ ، ورغم أن المعلومات المطلوبة للتجول في الحي آو المنزل من المفروض أنها محفوظة داخل الجزء المسئول عن حفظ الذكريات  ، إلا أن أوجين كان  ما يزال قادرا على فعل أموره الروتينية بكل سلاسة ، ودون أدنى جهد .
لا يسعني إلا أن أقول أن هذا أمر رهيب جدا، إن العادات أمر في غاية القوة، أنظر كيف استطاع شخص فاقد للذاكرة أن يتمكن من عمل كل شيء دون الحاجة لتذكر أي شي ء .
تصور كيف سيكون الأمر بالنسبة لشخص يملك الذاكرة والعادة معا....
                                                                                                                                                                ( يتبع ... )
اضافة تعليق

جميع الحقوق محفوظة © 2014 أفكاري